فصل: فائدة: تَغيُّرُ حال الإمام بعد تنصيبه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة: الشهادة على عقد الإمامة:

واختلف في الشهادة على عقد الإمامة؛ قال بعض أصحابنا: إنه لا يفتقر إلى الشهود؛ لأن الشهادة لا تثبت إلا بسمع قاطع، وليس هاهنا سمع قاطع يدل على إثبات الشهادة.
ومنهم من قال: يفتقر إلى شهود؛ فمن قال بهذا احتج بأن قال: لو لم تعقد فيه الشهادة أدّى إلى أن يدّعي كل مدّع أنه عُقد له سرًّا، ويؤدي إلى الهَرْج والفتنة، فوجب أن تكون الشهادة معتبرة ويكفي فيها شاهدان، خلافًا للجُبّائي حيث قال باعتبار أربعة شهود وعاقد ومعقود له؛ لأن عمر حيث جعلها شُورَى في ستة دلّ على ذلك.
ودليلنا أنه لا خلاف بيننا وبينه أن شهادة الاثنين معتبرة، وما زاد مختلَف فيه ولم يدل عليه الدليل فيجب ألا يعتبر.

.فائدة: في شرائط الإمام:

وهي أحد عشر:
الأوّل: أن يكون من صميم قريش، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش» وقد اختلف في هذا.
الثاني: أن يكون ممن يصلح أن يكون قاضيًا من قضاة المسلمين مجتهدًا لا يحتاج إلى غيره في الاستفتاء في الحوادث؛ وهذا مُتّفَق عليه.
الثالث: أن يكون ذا خبرة ورأي حصِيف بأمر الحرب وتدبير الجيوش وسدّ الثُّغُور وحماية البيضة ورَدْع الأمة والانتقام من الظالم والأخذ للمظلوم.
الرابع: أن يكون ممن لا تلحقه رِقّة في إقامة الحدود ولا فزع من ضرب الرقاب ولا قطع الأبشار.
والدليل على هذا كله إجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنه لا خلاف بينهم أنه لابد من أن يكون ذلك كله مجتمعًا فيه؛ ولأنه هو الذي يولي القضاة والحكام، وله أن يباشر الفصل والحكم، ويتفحص أمور خلفائه وقضاته؛ ولن يصلح لذلك كله إلا من كان عالمًا بذلك كله قيّمًا به. والله أعلم.
الخامس: أن يكون حُرًّا؛ ولا خفاء باشتراط حرية الإمام وإسلامه وهو السادس.
السابع: أن يكون ذكرًا، سليم الأعضاء وهو الثامن.
وأجمعوا على أن المرأة لا يجوز أن تكون إمامًا وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما تجوز شهادتها فيه.
التاسع والعاشر: أن يكون بالغًا عاقلًا؛ ولا خلاف في ذلك.
الحادي عشر: أن يكون عدلًا؛ لأنه لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تعقد الإمامة لفاسق؛ ويجب أن يكون من أفضلهم في العلم؛ لقوله عليه السلام: «أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون» وفي التنزيل في وصف طالوت: {إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم} [البقرة: 247] فبدأ بالعلم ثم ذكر ما يدلّ على القوّة وسلامة الأعضاء.
وقوله: {اصطفاه} معناه اختاره؛ وهذا يدل على شرط النسب.
وليس من شرطه أن يكون معصومًا من الزلل والخطأ، ولا عالمًا بالغيب، ولا أفرس الأمة ولا أشجعهم، ولا أن يكون من بني هاشم فقط دون غيرهم من قريش؛ فإن الإجماع قد انعقد على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وليسوا من بني هاشم.

.فائدة: حكم نصب المفضول مع وجود الفاضل:

يجوز نصب المفضول مع وجود الفاضل خوف الفتنة وألا يستقيم أمر الأمة؛ وذلك أن الإمام إنما نصب لدفع العدوّ وحماية البيضة وسدّ الخلل واستخراج الحقوق وإقامة الحدود وجباية الأموال لبيت المال وقسمتها على أهلها.
فإذا خِيف بإقامة الأفضل الهرج والفساد وتعطيل الأمور التي لأجلها ينصب الإمام كان ذلك عذرًا ظاهرًا في العدول عن الفاضل إلى المفضول؛ ويدل على ذلك أيضًا علم عمر وسائر الأمة وقت الشُّورَى بأن الستة فيهم فاضل ومفضول، وقد أجاز العقد لكل واحد منهم إذا أدّى المصلحة إلى ذلك واجتمعت كلمتهم عليه من غير إنكار أحد عليهم؛ والله أعلم.

.فائدة: تَغيُّرُ حال الإمام بعد تنصيبه:

الإمام إذا نُصِب ثم فَسَق بعد انبرام العقد فقال الجمهور: إنه تنفسخ إمامته ويُخلع بالفسق الظاهر المعلوم؛ لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدّم ذكره؛ وما فيه من الفسق يُقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها.
فلو جوّزنا أن يكون فاسقًا أدّى إلى إبطال ما أقيم لأجله ألا ترى في الابتداء إنما لم يجز أن يُعقد للفاسق لأجل أنه يؤدي إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله.
وقال آخرون: لا ينخلع إلا بالكفر أو بترك إقامة الصلاة أو الترك إلى دعائها أو شيء من الشريعة؛ لقوله عليه السلام في حديث عُبادة: وألا نُنازِع الأمر أهله قال: «إلا أن تروْا كُفْرًا بَواحًا عندكم من الله فيه برهان» وفي حديث عَوف بن مالك: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» الحديث. أخرجهما مسلم.
وعن أم سَلَمة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنه يُستعمَل عليكم أمراءُ فتَعرِفون وتُنكِرون فمن كَره فقد بَرِئ ومَن أنكر فقد سلِم ولكن مَن رَضِيَ وتابع قالوا: يا رسول الله ألاَ نقاتلهم؟ قال: لا ما صَلَّوْا» أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه. أخرجه أيضًا مسلم.

.فائدة: خلعُ الإمامِ نفسَه:

ويجب عليه أن يخلع نفسه إذا وجد في نفسه نقصًا يؤثّر في الإمامة.
فأما إذا لم يجد نقصًا فهل له أن يعزل نفسه ويعقد لغيره؟ اختلف الناس فيه، فمنهم من قال: ليس له أن يفعل ذلك وإن فعل لم تنخلع إمامته.
ومنهم من قال: له أن يفعل ذلك.
والدليل على أن الإمام إذا عزل نفسه انعزل قول أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه: أقيلوني أقيلوني.
وقول الصحابة: لا نقيلك ولا نستقيلك، قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فمن ذا يؤخرك! رضِيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فلا نرضاك! فلو لم يكن له أن يفعل ذلك لأنكرت الصحابة ذلك عليه ولقالت له: ليس لك أن تقول هذا، وليس لك أن تفعله.
فلما أقرّته الصحابة على ذلك علم أن للإمام أن يفعل ذلك؛ ولأن الإمام ناظر للغير فيجب أن يكون حكمه حكم الحاكم، والوكيل إذا عزل نفسه.
فإن الإمام هو وكيل الأمة ونائب عنها، ولما اتفق على أن الوكيل والحاكم وجميع من ناب عن غيره في شيء له أن يعزل نفسه، كذلك الإمام يجب أن يكون مثله. والله أعلم.

.فائدة: انعقاد الإمامة باتفاق أهل الحل والعقد:

إذا انعقدت الإمامة باتفاق أهل الحَلّ والعَقْد أو بواحد على ما تقدّم وجب على الناس كافّةً مبايعته على السمع والطاعة، وإقامة كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن تأبَّى عن البَيعة لعُذْر عُذِر، ومن تأبَّى لغير عذر جُبر وقُهر؛ لئلا تفترق كلمة المسلمين.
وإذا بويع لخليفتين فالخليفة الأوّل وقُتل الآخر؛ واختلف في قتله هل هو محسوس أو معنًى فيكن عزله قتلَه ومَوْته.
والأوّل أظهر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» رواه أبو سعيد الخُدْرِيّ أخرجه مسلم.
وفي حديث عبد اللَّه بن عمرو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول: «ومن بايع إماما فأعطاه صفقةَ يدِه وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» رواه مسلم أيضًا؛ ومن حديث عَرْفجةً: «فاضربوه بالسيف كائنًا من كان» وهذا أدلّ دليل على منع إقامة إمامين؛ ولأن ذلك يؤدّي إلى النفاق والمخالفة والشقاق وحدوث الفتن وزوال النعم؛ لكن إن تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخراسان جاز ذلك؛ على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

.فائدة: الخروج على الإمام:

لو خرج خارجيّ على إمام معروف العدالة وجب على الناس جهاده؛ فإن كان الإمام فاسقًا والخارجيّ مظهر للعدل لم ينبغ للناس أن يسرعوا إلى نصرة الخارجيّ حتى يتبيّن أمره فيما يظهر من العدل، أو تتفق كلمة الجماعة على خلع الأوّل، وذلك أن من طلب مثل هذا الأمر أظهر من نفسه الصلاح حتى إذا تمكّن رجع إلى عادته من خلاف ما أظهر.

.فائدة: إقامة إمامين أو أكثر في وقت واحد:

فأما إقامة إمامين أو ثلاثة في عصر واحد وبلد واحد فلا يجوز إجماعًا لما ذكرنا.
قال الإمام أبو المعالي: ذهب أصحابنا إلى منع عقد الإمامة لشخصين في طرفي العالَم؛ ثم قالوا: لو اتفق عقد الإمامة لشخصين نُزِّل ذلك منزلة تزويجِ وَلِيّيْن امرأة واحدة من زوجين من غير أن يشعر أحدهما بعقد الآخر.
قال: والذي عندي فيه أن عقد الإمامة لشخصين في صُقع واحد متضايق الخِطط والمخاليف غير جائزٍ وقد حصل الإجماع عليه.
فأما إذا بَعُد المَدَى وتخلّل بين الإمامين شُسوع النّوَى فللاحتمال في ذلك مجال وهو خارج عن القواطع.
وكان الأستاذ أبو إسحاق يجوّز ذلك في إقليمين متباعدين غاية التباعد لئلا تتعطل حقوق الناس وأحكامهم.
وذهبت الكرامية إلى جواز نَصْب إمامين من غير تفصيل؛ ويلزمهم إجازة ذلك في بلد واحد، وصاروا إلى أن عليًّا ومعاوية كانا إمامين.
قالوا: وإذا كان اثنين في بلَدين أو ناحيتين كان كل واحد منهما أقوم بما في يديه وأضبط لما يليه؛ ولأنه لما جاز بعثة نبيّيْن في عصر واحد ولم يؤدّ ذلك إلى إبطال النبوّة كانت الإمامة أوْلَى، ولا يؤدي ذلك إلى إبطال الإمامة.
والجواب أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه؛ لقوله: «فاقتلوا الآخر منهما» ولأن الأُمَّة عليه.
وأما معاوية فلم يدّع الإمامة لنفسه وإنما ادعى ولاية الشام بتولية مَن قبله من الأئمة.
ومما يدلّ على هذا إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما؛ ولا قال أحدهما إني إمام ومخالفي إمام.
فإن قالوا: العقل لا يحيل ذلك وليس في السمع ما يمنع منه.
أقوى السمْعِ الإجماعُ، وقد وُجد على المنع. اهـ. بتصرف يسير.

.فصل: المراد من قوله تعالى: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا}:

قال القرطبي:
قوله تعالى: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} قد علمنا قطعًا أن الملائكة لا تعلم إلا ما أعْلِمت ولا تَسبِق القول، وذلك عام في جميع الملائكة؛ لأن قوله: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} خرج على جهة المدح لهم، فكيف قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا}؟ فقيل: المعنى أنهم لما سمعوا لفظ خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد؛ إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد، لكن عمّموا الحكم على الجميع بالمعصية؛ فبيّن الربّ تعالى أن فيهم من يفسد ومن لا يفسد فقال تطييبًا لقلوبهم: {إني أَعْلَمُ} وحقّق ذلك بأن علّم آدم الأسماء، وكشف لهم عن مكنون علمه.
وقيل: إن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء.
وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورؤوس الجبال، فمن حينئذ دخلته العِزّة.
فجاء قولهم: {أتَجْعَلُ فِيهَا} على جهة الاستفهام المحض: هل هذا الخليفة على طريقة من تقدّم من الجن أم لا؟ قاله أحمد بن يحيى ثعلب.
وقال ابن زيد وغيره: إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذرّيته قوم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء؛ فقالوا لذلك هذه المقالة، إمّا على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه أو مِن عِصيان الله من يستخلفه في أرضه ويُنعم عليه بذلك، وإمّا على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعًا: الاستخلاف والعصيان.
وقال قتادة: كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خلقًا أفسدوا وسفكوا الدماء، فسألوا حين قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً} أهو الذي أعلمهم أم غيره.
وهذا قول حَسَن، رواه عبد الرزاق قال: أخبرنا مَعْمَر عن قتادة في قوله: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} قال: كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء، فلذلك قالوا: {أتجعل فيها مَن يفسد فيها}.
وفي الكلام حذف على مذهبه؛ والمعنى إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا ويفعل كذا، فقالوا: أتجعل فيها الذي أعلمتناه أم غيره؟ والقول الأوّل أيضًا حسن جدًا؛ لأن فيه استخراج العلم واستنباطه من مقتضى الألفاظ وذلك لا يكون إلا من العلماء؛ وما بين القولين حسن، فتأمّله.
وقد قيل: إن سؤاله تعالى للملائكة بقوله: «كيف تركتم عبادي» على ما ثبت في صحيح مسلم وغيره إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال: أتجعل فيها، وإظهار لما سبق في معلومه إذ قال لهم: {إني أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}. اهـ.

.قال الفخر:

.فصل: عصمة الملائكة:

الجمهور الأعظم من علماء الدين اتفقوا على عصمة كل الملائكة عن جميع الذنوب ومن الحشوية من خالف في ذلك ولنا وجوه:
الأول: قوله تعالى: {لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] إلا أن هذه الآية مختصة بملائكة النار فإذا أردنا الدلالة العامة تمسكنا بقوله تعالى: {يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] فقوله ويفعلون ما يؤمرون يتناول جميع فعل المأمورات وترك المنهيات لأن المنهي عن الشيء مأمور بتركه.
فإن قيل ما الدليل على أن قوله: {ويفعلون ما يؤمرون} يفيد العموم قلنا لأنه لا شيء من المأمورات إلا ويصح الاستثناء منه والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل على ما بيناه في أصول الفقه.
والثاني: قوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26 27] فهذا صريح في براءتهم عن المعاصي وكونهم متوقفين في كل الأمور إلا بمقتضى الأمر والوحي.
والثالث: أنه تعالى حكى عنهم أنهم طعنوا في البشر بالمعصية ولو كانوا من العصاة لما حسن منهم ذلك الطعن الرابع: أنه تعالى حكى عنهم أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون ومن كان كذلك امتنع صدور المعصية منه واحتج المخالف بوجوه:
الأول: أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ} وهذا يقتضي صدور الذنب عنهم ويدل على ذلك وجوه: أحدها: أن قولهم: أتجعل فيها.
هذا اعتراض على الله تعالى وذلك من أعظم الذنوب.
وثانيها: أنهم طعنوا في بني آدم بالفساد والقتل وذلك غيبة والغيبة من كبائر الذنوب.
وثالثها: أنهم بعد أن طعنوا في بني آدم مدحوا أنفسهم بقولهم: {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ} وأنهم قالوا: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} [الصافات: 165، 166] وهذا للحصر فكأنهم نفوا كون غيرهم كذلك وهذا يشبه العجب والغيبة وهو من الذنوب المهلكة قال عليه السلام: «ثلاث مهلكات، وذكر فيها إعجاب المرء بنفسه» وقال تعالى: {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32].
ورابعها: أن قولهم لا علم لنا إلا ما علمتنا يشبه الاعتذار فلولا تقدم الذنب وإلا لما اشتغلوا بالعذر.
وخامسها: أن قوله: {أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صادقين} [البقرة: 31] يدل على أنهم كانوا كاذبين فيما قالوه أولا.
وسادسها: أن قوله: {أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 33] يدل على أن الملائكة ما كانوا عالمين بذلك قبل هذه الواقعة وأنهم كانوا شاكين في كون الله تعالى عالمًا بكل المعلومات، وسابعها: أن علمهم يفسدون ويسفكون الدماء، إما أن يكون قد حصل بالوحي إليهم في ذلك أو قالوه استنباطًا والأول بعيد لأنه إذا أوحى الله تعالى ذلك إليهم لم يكن لإعادة ذلك الكلام فائدة فثبت أنهم قالوه عن الاستنباط والظن والقدح في الغير على سبيل الظن غير جائز لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وقال: {إَنَّ الظن لاَ يُغْنِى مِنَ الحق شَيْئًا} [يونس: 36] وثامنها: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن الله سبحانه وتعالى قال للملائكة الذين كانوا جند إبليس في محاربة الجن {إِنّى جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} فقالت الملائكة مجيبين له سبحانه: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} ثم علموا غضب الله عليهم: {فَقَالُواْ سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا} وروي عن الجن وقتادة أن الله تعالى لما أخذ في خلق آدم همست الملائكة فيما بينهم وقالوا ليخلق ربنا ما شاء أن يخلق فلن يخلق خلقًا إلا كنا أعظم منه وأكرم عليه فلما خلق آدم عليه السلام وفضله عليهم {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صادقين} [البقرة: 31] في أني لا أخلق خلقًا إلا وأنتم أفضل منه ففزع القوم عند ذلك إلى التوبة و{قَالُواْ سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا} وفي بعض الروايات أنهم لما قالوا أتجعل فيها، أرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم.
الشبهة الثانية: تمسكوا بقصة هاروت وماروت وزعموا أنهما كانا ملكين من الملائكة وأنهما لما نظرا إلى ما يصنع أهل الأرض من المعاصي أنكرا ذلك وأكبراه ودعوا على أهل الأرض فأوحى الله تعالى إليهما إني لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم من الشهوات لعصيتماني فقالا يا رب لو ابتليتنا لم نفعل فجربنا فأهبطهما إلى الأرض وابتلاهما الله بشهوات بني آدم فمكثا في الأرض وأمر الله الكوكب المسمى بالزهرة والملك الموكل به فهبطا إلى الأرض فجعلت الزهرة في صورة امرأة والملك في صورة رجل ثم إن الزهرة اتخذت منزلًا وزينت نفسها ودعتهما إلى نفسها ونصب الملك نفسه في منزلها في مثال صنم فأقبلا إلى منزلها ودعواها إلى الفاحشة فأبت عليهما إلا أن يشربا خمرًا فقالا لا نشرب الخمر ثم غلبت الشهوة عليهما فشربا ثم دعواها إلى ذلك فقالت بقيت خصلة لست أمكنكما من نفسي حتى تفعلاها قالا وما هي؟ قالت: تسجدان لهذا الصنم، فقالا: لا نشرك بالله، ثم غلبت الشهوة عليهما فقالا: نفعل ثم نستغفر فسجدا للصنم فارتفعت الزهرة وملكها إلى موضعهما من السماء فعرفا حينئذٍ أنه إنما أصابهما ذلك بسبب تعيير بني آدم وفي رواية أخرى أن الزهرة كانت فاجرة من أهل الأرض وإنما واقعاها بعد أن شربا الخمر وقتلا النفس وسجدا للصنم وعلماها الاسم الأعظم الذي كانا به يعرجان إلى السماء فتكلمت المرأة بذلك الاسم وعرجت إلى السماء فمسخها الله تعالى وصيرها هذا الكوكب المسمى بالزهرة ثم إن الله تعالى عرفت هاروت وماروت قبيح ما فيه وقعا ثم خيرهما بين عذاب الآخرة آجلًا وبين عذاب الدنيا عاجلًا فاختارا عذاب الدنيا فجعلهما ببابل منكوسين في بئر إلى يوم القيامة وهما يعلمان الناس السحر ويدعوان إليه ولا يراهما أحد إلا من ذهب إلى ذلك الموضع لتعلم السحر خاصة وتعلقوا في ذلك بقوله تعالى: {واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سليمان} [البقرة: 102].
الشبهة الثالثة: أن إبليس كان من الملائكة المقربين ثم إنه عصى الله تعالى وكفر وذلك يدل على صدور المعصية من جنس الملائكة.
الشبهة الرابعة: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إِلاَّ مَلَئِكَةً} [المدثر: 31] قالوا: فدل هذا على أن الملائكة يعذبون لأن أصحاب النار لا يكونون إلا ممن يعذب فيها كما قال: {أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} والجواب عن الشبهة الأولى أن نقول: أما الوجه الأول وهو قولهم أنهم اعترضوا على الله تعالى وهذا من أعظم الذنوب فنقول إنه ليس غرضهم من ذلك السؤال تنبيه الله على شيء كان غافلًا عنه، فإن من اعتقد ذلك في الله فهو كافر، ولا الإنكار على الله تعالى في فعل فعله، بل المقصود من ذلك السؤال أمور: أحدها: أن الإنسان إذا كان قاطعًا بحكمة غيره ثم رأى أن ذلك الغير يفعل فعلًا لا يقف على وجه الحكمة فيه فيقول له أتفعل هذا كأنه يتعجب من كمال حكمته وعلمه، ويقول إعطاء هذه النعم لمن يفسد من الأمور التي لا تهتدي العقول فيها إلى وجه الحكمة فإذا كنت تفعلها واعلم أنك لا تفعلها إلا لوجه دقيق وسر غامض أنت مطلع عليه فما أعظم حكمتك وأجل علمك فالحاصل أن قوله: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} كأنه تعجب من كمال علم الله تعالى وإحاطة حكمته بما خفي على كل العقلاء.
وثانيها: أن إيراد الإشكال طلبًا للجواب غير محذور فكأنهم قالوا إلهنا أنت الحكيم الذي لا يفعل السفه ألبتة ونحن نرى في العرف أن تمكين السفيه من السفه سفه فإذا خلقت قومًا يفسدون ويقتلون وأنت مع علمك أن حالهم كذلك خلقتهم ومكنتهم وما منعتهم عن ذلك فهذا يوهم السفه وأنت الحكيم المطلق فكيف يمكن الجمع بين الأمرين فكأن الملائكة أوردوا هذا السؤال طلبًا للجواب، وهذا جواب المعتزلة قالوا: وهذا يدل على أن الملائكة لم يجوزوا صدور القبيح من الله تعالى وكانوا على مذهب أهل العدل قالوا والذي يؤكد هذا الجواب وجهان: أحدهما: أنهم أضافوا الفساد وسفك الدماء إلى المخلوقين لا إلى الخالق.
والثاني: أنهم قالوا: {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ} لأن التسبيح تنزيه ذاته عن صفة الأجسام والتقديس تنزيه أفعاله عن صفة الذم ونعت السفه، وثالثها: أن الشرور وإن كانت حاصلة في تركيب هذا العالم السفلي إلا أنها من لوازم الخيرات الحاصلة فيه وخيراتها غالبة على شرورها وترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فالملائكة ذكروا تلك الشرور، فأجابهم الله تعالى بقوله: {إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} يعني أن الخيرات الحاصلة من أجل تراكيب العالم السفلي أكثر من الشرور الحاصلة فيها والحكمة تقتضي إيجاد ما هذا شأنه لا تركه وهذا جواب الحكماء.
ورابعها: أن سؤالهم كان على وجه المبالغة في إعظام الله تعالى فإن العبد المخلص لشدة حبه لمولاه يكره أن يكون له عبد يعصيه.
وخامسها: أن قول الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} مسألة منهم أن يجعل الأرض أو بعضها لهم إن كان ذلك صلاحًا فكأنهم قالوا: يا إلهنا إجعل الأرض لنا لا لهم كما قال موسى عليه السلام: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهاء مِنَّا} [الأعراف: 155] والمعنى لا تهلكنا فقال تعالى: {إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} من صلاحكم وصلاح هؤلاء الذين أجعلهم في الأرض فبين ذلك أنه اختار لهم السماء خاصة ولهؤلاء الأرض خاصة لعلمه بصلاح ذلك في أديانهم ليرضى كل فريق بما اختاره الله له.
وسادسها: أنهم طلبوا الحكمة التي لأجلها خلقهم مع هذا الفساد والقتل، وسابعها: قال القفال يحتمل أن الله تعالى لما أخبرهم أنه يجعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها، أي ستفعل ذلك فهو إيجاب خرج مخرج الاستفهام قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

أي أنتم كذلك.
ولو كان استفهامًا لم يكن مدحًا، ثم قالت الملائكة إنك تفعل ذلك ونحن مع هذا نسبح بحمدك ونقدس لما أنا نعلم أنك لا تفعل إلا الصواب والحكمة فلما قالوا ذلك قال الله تعالى لهم: {إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} كأنه قال والله أعلم نعم ما فعلتم حيث لم تجعلوا ذلك قادحًا في حكمتي فإني أعلم ما لا تعلمون فأنتم علمتم ظاهرهم وهو الفساد والقتل وما علمتم باطنهم وأنا أعلم ظاهرهم وباطنهم فأعلم من بواطنهم أسرارًا خفية وحكمًا بالغة تقتضي خلقهم وإيجادهم.
أما الوجه الثاني: وهو أنهم ذكروا بني آدم بما لا ينبغي وهو الغيبة، فالجواب أن محل الإشكال في خلق بني آدم إقدامهم على الفساد والقتل، ومن أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحل الإشكال لا لغيره فلهذا السبب ذكروا من بني آدم هاتين الصفتين وما ذكروا منهم عبادتهم وتوحيدهم لأن ذلك ليس محل الإشكال.
أما الوجه الثالث: وهو أنهم مدحوا أنفسهم وذلك يوجب العجب وتزكية النفس.
فالجواب: أن مدح النفس غير ممنوع منه مطلقًا لقوله: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ} [الضحى: 11] وأيضًا فيحتمل أن يكون قولهم: {وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ} ليس المراد مدح النفس، بل المراد بيان أن هذا السؤال ما أوردناه لنقدح به في حكمتك يا رب فإنا نسبح بحمدك ونعترف لك بالإلهية والحكمة فكأن الغرض من ذلك بيان أنهم ما أوردوا السؤال للطعن في الحكمة والإلهية.
بل لطلب وجه الحكمة على سبيل التفصيل، أما الوجه الرابع: وهو أن قولهم: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} يشبه الاعتذار فلابد من سبق الذنب، قلنا نحن نسلم أن الأولى للملائكة أن لا يوردوا ذلك السؤال، فلما تركوا هذا الأولى كان ذلك الاعتذار اعتذارًا من ترك الأولى فإن قيل أليس أنه تعالى قال: {لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول} [الأنبياء: 27] فهذا السؤال وجب أن يكون بإذن الله تعالى، وإذا كانوا مأذونين في هذا السؤال فكيف اعتذروا عنه؟ قلنا العام قد يتطرق إليه التخصيص.
أما الوجه الخامس: وهو أن إخبار الملائكة عن الفساد وسفك الدماء، إما أن يكون حصل عن الوحي أو قالوه استنباطًا وظنًا، قلنا اختلف العلماء فيه، فمنهم من قال: إنهم ذكروا ذلك ظنًا ثم ذكروا فيه وجهين:
الأول: وهو مروي عن ابن عباس والكلبي أنهم قاسوه على حال الجن الذين كانوا قبل آدم عليه السلام في الأرض.
الثاني: أنهم عرفوا خلقته وعرفوا أنه مركب من هذه الأخلاط الأربعة فلابد وأن تتركب فيه الشهوة والغضب فيتولد الفساد عن الشهوة وسفك الدماء عن الغضب.
ومنهم من قال إنهم قالوا ذلك على اليقين وهو مروي عن ابن مسعود وناس من الصحابة ثم ذكروا فيه وجوهًا: أحدها: أنه تعالى لما قال للملائكة: {إِنّى جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضًا، فعند ذلك قالوا: ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء.
وثانيها: أنه تعالى كان قد أعلم الملائكة أنه إذا كان في الأرض خلق عظيم أفسدوا فيها وسفكوا الدماء.
وثالثها: قال ابن زيد لما خلق الله تعالى النار خافت الملائكة خوفًا شديدًا فقالوا: ربنا لمن خلقت هذه النار؟ قال لمن عصاني من خلقي ولم يكن لله يومئذٍ خلق إلا الملائكة ولم يكن في الأرض خلق ألبتة فلما قال: {إِنّي جَاعِلٌ في الأرض خَلِيفَةً} عرفوا أن المعصية تظهر منهم.
ورابعها: لما كتب القلم في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك.
وخامسها: إذا كان معنى الخليفة من يكون نائبًا لله تعالى في الحكم والقضاء، والاحتجاج إلى الحاكم والقاضي إنما يكون عند التنازع والتظالم كان الإخبار عن وجود الخليفة إخبارًا عن وقوع الفساد والشر بطريق الالتزام قال أهل التحقيق والقول بأنه كان هذا الأخبار عن مجرد الظن باطل لأنه قدح في الغير بما لا يأمن أن يكون كاذبًا فيه، وذلك ينافي العصمة والطهارة.
أما الوجه السادس: هو الأخبار التي ذكروها فهي من باب أخبار الآحاد فلا تعارض الدلائل التي ذكرناها.
أما الشبهة الثانية: وهي قصة هاروت وماروت، فالجواب عنها أن القصة التي ذكروها باطلة من وجوه: أحدها: أنهم ذكروا في القصة أن الله تعالى قال لهما لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم لعصيتماني فقالا لو فعلت ذلك بنا يا رب لما عصيناك، وهذا منهم تكذيب لله تعالى وتجهيل له وذلك من صريح الكفر، والحشوية سلموا أنهما كانا قبل الهبوط إلى الأرض معصومين، وثانيها: في القصة أنهما خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة وذلك فاسد بل كان الأولى أن يخيرا بين التوبة وبين العذاب والله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره وبالغ في إيذاء أنبيائه.
وثالثها: في القصة أنهما يعلمان السحر حال كونهما معذبين ويدعوان إليه وهما معاقبان على المعصية.
ورابعها: أن المرأة الفاجرة كيف يعقل أنها لما فجرت صعدت إلى السماء وجعلها الله تعالى كوكبًا مضيئًا وعظم قدره بحيث أقسم به حيث قال: {فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس الجوار الكنس} [التكوير: 15] فهذه القصة قصة ركيكة يشهد كل عقل سليم بنهاية ركاكتها، وأما الكلام في تعليم السحر فسيأتي في تفسير تلك الآية في موضعها إن شاء الله تعالى.
وأما الشبهة الثالثة: فسنتكلم في بيان أن إبليس ما كان من الملائكة.
وأما الشبهة الرابعة: وهي قوله: {وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إِلاَّ مَلَئِكَةً} [المدثر: 31] فهذا لا يدل على كونهم معذبين في النار وقوله: {أُولَئِكَ أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} [البقرة: 39] لا يدل أيضًا على كونهم معذبين بالنار بمجرد هذه الآية بل إنما عرف ذلك بدليل آخر فقوله: {وَمَا جَعَلْنَا أصحاب النار إِلاَّ مَلَئِكَةً} يريد به خزنة النار والمتصرفين فيها والمدبرين لأمرها والله أعلم. اهـ.